منتدى يلا شباب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يلا شباب


    قصة عن الغيبة ، بعنوان ( لاتاكلوا لحمي )

    حمودي
    حمودي


    عدد المساهمات : 79
    نقاط : 27394
    التقيم : 1
    تاريخ التسجيل : 12/01/2010

    قصة عن الغيبة ، بعنوان ( لاتاكلوا لحمي ) Empty قصة عن الغيبة ، بعنوان ( لاتاكلوا لحمي )

    مُساهمة  حمودي الجمعة يناير 22, 2010 12:58 am

    لا تأكلوا لحمي

    دائماً ما كانت تجمعنا تلك المائدة المستديرة في قهوة الحاج علي كنا نتبادل فيها الأحاديث والأخبار والنكات والنوادر من حين لآخر.. نحتسي أكواب الشاي رشفة رشفة وفي عيني كل منا نظرة لا نعرف مغزاها..

    أحياناً نلعب الدومينو وأوقات أخرى نتهامس عن أخبار حمد الفران قيل بأنه يغش في عجن الرغيف؟؟

    ويقال أيضاً بأن وزن الرغيف ينقص يوماً بعد يوم وأخبار أخرى كلها تدور حول حارتنا التي نقطن فيها.

    كنا خمسة أفراد أعمارنا ما بين الأربعين والخمسين لا يهدأ لنا بال إلا وقد اجتمعنا حول طاولتنا المفضلة وبدأنا في ممارسة متعتنا اليومية وحينما نبدأ بلعب الدومينو ترتفع أصواتنا أما بالشجار أو الضحك ولكنها سرعان ما تهدأ حينما يهمس لنا الحاج أحمد بقوله على رسلكم يا جماعة دعوا اللعب والآن وانظروا من خلفكم خفية انظروا إليه..

    ويتوقف جدالنا وضحكنا وأيدينا عن اللعب وتتحول أطراف أعيننا إلى الخلف خلسة.. كان السيد سلطان سمعنا عنه كثيراً: يتهامس الناس بينهم سراً بأنه يخفي أموالاً لا عداد لها لا أحد يعرف أين يخفيها فهو يعيش وحيداً في مكان أشبه بالكوخ المتهالك لا عائلة ولا أقارب يعيش بلا أصدقاء.. لا يهتم بمظهره رغم ما قيل عنه ما أنه يملك مالاً وفيراً…

    حولنا أبصارنا إلى الحاج احمد الذي قال هامساً: تعرفونه بكل تأكيد!!

    أجابه الحاج سعيد: بالطبع ولكن يبدو وجهه متجهماً هذا الصباح جلجلت ضحكة من الحاج علي صاحب القهوة وقال: أيها العجوز الخرف منذ متى كان يمشي ووجهه غير متجهم؟! رد عليه سعيد بغضب: لا تحاول خداعي لأني ضعيف البصر فأنا متأكد من أنه غير طبيعي هذا اليوم وقيل أن يفتح الحاج علي فمه بكلمة لمواصلة الحديث كان الحاج توفيق قد تكلم قائلاً: دعوكم من هذا يا أخواني الأمر لا يحتاج لكل هذا الجدال ولكن الحق يقال وجهه هذه الأيام بالذات غير طبيعي أشعر وأنا أنظر إليه بأن الدماء محتقنة في أعلى جبينه ووجنتيه ليس كعادته ابتسم الحاج محمد وقال: ربما نقصت أمواله بعض الشيء وهذا هو كل ما في الأمر وعدنا جميعاً للعب وشرب الشاي بعد أن تحدثنا في ظهر الرجل بما لا يرضاه الله وافترقنا مع آذان المغرب.







    على أمل اللقاء بعد الصلاة وعدنا إلى مائدتنا وقبل أن نبدأ بإشعال سجائرنا وصل إلى مسامعنا صوت صبي صغير يصيح في الحارة بصوت مرتفع: لقد مات الحاج سلطان.. لقد مات والصلاة ستكون عليه في مسجد التقوى بعد صلاة العشاء وسينقل إلى مقبرة السيد حسين في الطريق العام للمدينة.. أيها الناس لقد مات الحاج سلطان .. الخ.

    صعقنا جميعاً.. جميعنا لم يصدق ما سمع وظن كل منا أنه يتخيل وانخفضت أعيننا إلى الأرض وساد المكان صمت رهيب قطعة علينا الحاج علي بقوله: ما بالكم يا جماعة صامتون؟؟ أيعقل هذا؟ مات؟؟ مات الحاج سلطان لقد مر من أمامنا في الظهيرة ولكن كيف؟ يا الهي كيف ارحمنا لا حول ولا قوة إلا بالله..

    نظرنا إليه جميعاً كان وجهه يبدو متأثراً وسألت دمعة فقيرة على خده.. وتكلم الحاج احمد قائلاً: بحزن: رباه…

    لقد أذنبنا في حق الرجل في أخر ليلة له… ما كان ينبغي أن نتحدث عنه بكل ذلك السوء استغفروا ربكم لكم وله وإنا لله وإنا إليه راجعون.. وعاد صوت الصبي إلى مسامعنا وارتجفت أوصالنا شعرنا حينها بأن الموت قريب منا جميعاً فقط نحن لا نشعر به ظللنا على استغفارنا وترحمنا عليه حتى آذان العشاء…

    ذهبنا للمسجد وأدينا صلاة العشاء ثم تقدم أحد الصالحين فغسله وكفنه ونحن في أماكننا لم ينطق أحد الحاضرين ببنت شفة… لا ندري ما السبب… هل هي المفاجأة؟؟!! أم الندم على الذي حدث؟؟ أم الخوف من الموت.. أم.. أم لا ندري.. تقدم الإمام وصلى على الميت ثم تقدم أحد الصالحين وتحدث بعد أن أثنى على الله وصلى على نبيه وقال: أن كل ما يوجد من مال ومتاع أو شيء أخر خاص بالحاج سلطان سيعود إليه إن شاء الله عن طريق الصدقات..

    خرجنا من المسجد ومشينا في جنازته كان موكباً مهيباً لم يكن عزيزاً على أحد ولا مكروهاً ولكن موته بلا رفيق أو حبيب جعل الجميع يشعرون بالحزن والرثاء عليه كانت الأصوات الحزينة تردد بهدوء:

    لا له إلا الله سبحانه الله… وخلال سيرنا في طريقنا لدفن جثمانه كزني الحاج احمد هامساً: ترى أين أخفى نقوده؟ بل ثروته؟؟ نظرت إليه باندهاش وقلت وفي وجهي علامات اللوم: وهل هذا وقته يا حاج أحمد؟؟

    الرجل ما برح فارقنا وأنت تهتم بأمور صغيرة وتافهة لو أنصت إليك أحدهم الآن وأنت تذكرها لدفنك مع المرحوم لبشاعة ما تفكر به.. طأ طأ الحاج أحمد رأسه وصمت عن الحديث ولكنه قد فتح موضوعاً للنقاش..

    والكل يسير آذن أن الحاج سعيد همس في تساؤل: ما قاله الحاج أحمد ترى هل سيجد الصالحون الثروة المخفية؟

    كنت قد سمعت همهمة العجوزين فرمقتهما نظرة عتاب فكفا عن الحديث وتابعا المسير مع المجموع المتوافدة…

    حتى وصلنا للمقبرة وكان الحفار قد انتهى من حفر القبر… فوضع الكفن أسفل الأرض داخل اللحد وسد بالأحجار… ثم … ثم ووري بالتراب.. وترحم عليه الجميع..

    وكان موعد فتح منزله من قبل الصالحين أمام العامة يوم الجمعة.. أي بعد غد… حتى يحصلوا ما معه من ثروة ويقوموا بالزكاة والصدقة..

    عادت الجموع كل إلى مشاغله.. وعدنا نحن جميعاً إلى جلستنا السابقة وكنا نشعر بأن شياً ما ينقصنا.. ربما الحنين إلى وجه سلطان الذي طالما شدنا وكان محور أحاديثنا.. ومر اليوم وفي اليوم الثاني نسينا.. كان شيئاً لم يكن.. فالسهر والضحك والخوض في أحاديث تخص الناس وتجرحهم…

    مازال جارياً في مجموعتنا.. وحينما حل المساء كان. السهر قد أنهكنا ففضلنا العودة.. كل إلى منزله.. وقبل أن يغلق الحاج علي باب قهوته بادرنا بقوله: يا جماعة: لا تنسوا بأن يوم غد الجمعة.. رد عليه الحاج توفيق متسائلاً: وماذا في الأمر؟ هل من جديد؟ ظهرت علامات الدهشة على وجه الحاج علي فقال باستنكار: وهل نسيتم ماذا يعني يوم غد؟ وقبل أن يفتح فمه ليجيب كان الحاج أحمد قد أجاب بدلاً عنه: أنه يعني فتح منزل المرحوم سلطان أمام العامة والسلطات.. ابتسم الحاج محمد وهز رأسه بملل وقال: دائماً أنت يا حاج علي لا تنسى أمور المال.. على كل حال جميعنا سيكون هناك عند الساعة السابعة صباحاً وفي الصباح تجمعنا عند قهوة الحاج علي وتناولنا إفطارنا وشربنا الشاي.. ثم بدأنا في السير نحو منزل المرحوم الحاج سلطان..

    كان الجو صحواً.. والهدوء يعم الحارة.. لولا بعض أصوات منقطعة في زقاق الحارة لبعض الأطفال الأشقياء وهم يتراشقون بالكرة..

    كنا نمشي ونحن صامتون لولا أن قطع صمتنا الحاج سعيد بقوله: لا أدري كم من المال سيجده الصالحون؟

    تحدث الحاج احمد أتعرف أنا أيضاً راودني هذا السؤال ترى هل تستطيع السلطات أن تأخذ من ماله الوفير وتقوم ببناء مدرسة؟؟ أو حتى مستشفى..؟؟

    قاطعه الحاج محمد قائلاً: لا .. لا.. لا يمكن.. أن أمواله يجب أن توزع على الفقراء والمساكين والمحتاجين حتى يكون هذا المال اتصالاً لعمله وهو في قبره ثم أنتم تعرفون الحاج سلطان لم يكن يحب أن ينفق شيئاً على أي من الفقراء وحلا حتى على نفسه.. كان ثرياً ولكن أعماه الطمع والشح و…

    وأوقفهم الحاج أحمد بصراخه فيهم: يا جماعة اتقوا الله في الرجل، أذكروا محاسن موتاكم فلا تأكلوا لحم الرجل وهو ميت.. أيرضيكم ذلك.. اذكروا محاسن موتاكم… فربما يتقطع لحمه من حديثكم.. فربما كان ينفق سراً على الضعفاء والمساكين..

    فصمت الجميع كعادتهم.. ووصل بهم السير حتى منزل الحاج سلطان الذي التف حوله جموع أهل الحارة مع رجال الشرطة وبعض الصالحين كان الضجيج يملأ المكان.. بالأصوات المتسائلة والإجابات التخمينية والمزاجية كل شيء من أثم وخطيئة كانا يتواجدان بين همس الجموع… كانا يملأن المكان وحينما فتح باب الكوخ المتهالك عم الصمت المكان الجميع صامتون وكان القيامة قامت والعين المتسائلة والمجيبة زاد اتساعها والقامات الصغيرة صارت تقف على أصابع القدمين لتعلو بعض الشيء لترى ما يحدث.. همسات تدور هناك وهناك…

    - ربما لن يجدوا شيئاً في هذا الكوخ المتهالك فقد أخفاها في مكان أخر.

    - أنه رجل طماع فربما أخافه في مكان أخر.. تحت التراب مثلاً؟؟!!

    - بدأ رجال الشرطة بالبحث… طال انتظارنا.. وطال غيابهم في الداخل إلى أن مر الكثير من الوقت… فخرجوا للجميع وقد حملوا كيساً صغيراً بحبه التفاح.. علامات الدهشة والاستغراب علت وجوه الحاضرين حتى رجال الشرطة.. من هول المفاجأة… ملابسهم كان يعلوا التراب.. يبدو أنهم قد حفروا أرض الكوخ للبحث عن المال.. وحينما تجمع رجال الشرطة أمام الكوخ بعد خروجهم من البحث قام قائدهم بتسليم الكيس إلى أحد الصالحين والذي قام بدوره بفك عقدة الكيس وما هي إلا ثوان.. حتى رفع الكيس بكفه الأيمن وقال: موجهاً خطابه للجماهير – أخواني أهل الحارة… لقد جرت عملية التفتيش أمامكم وخرج رجال الشرطة من منزل المرحوم بهذا الكيس الذي لا يزيد ما بداخله عن عشرة دينارات مهترئة متهالكة.. رحم الله الحاج سلطان… وهذه النقود سنتبرع بها لأحد الفقراء.. ولنترحم جميعاً على الحاج سلطان.. تفرقت الجموع تفرقوا والبعض منهم ساخط منها على الرجل الميت والبعض يرثى لحاله والأخر مندهش لما رأى.. ذهب الجميع كما أتوا في همز ولمز وغمز وكانت جماعتنا قد عاثت في ظهر الرجل حتى ملوا الحديث.. وبعد مرور ثلاثة أسابيع على الحادثة كنا قد بدأنا نتجمع حول مائدتنا من جديد وكان أمراً لم يكن..

    ومع مرورها لم نكن نشعر بغياب أحد أفراد المجموعة إلى أن تغيب الحاج أحمد.. يبدو أن تأخر لأمر ما نرجو أن يكون المانع خيراً…

    ومر اليوم الأول والثاني والرابع… والسادس حينها لم نستطع أن نصبر لغيابه أكثر من ذلك.. فذهبنا لزيارته في منزله.. وحينما وصلنا عرفنا سر تغيبه.. لقد كان مريضاً.. قال أبنه الأصغر بأنه في غيبوبة منذ أربعة أيام والطبيب قال: هذه هي أخر أيامه ولا علاج له في هذه الأيام المعدودة سوى المغذيات التي تصل إليه عن طريق الجلد…

    جلسنا معه والحزن يقطع نياط قلوبنا… شخص غالي كالحاج لا يمكن تعويضه طال تجمعنا حوله وطالت غيبوبته فغادرنا المكان على أمل العودة في الغد… غادرناه في ساعة متأخرة من الليل لقلقنا عليه..

    عدنا في الصباح.. دخلنا بعد سماعنا لصوت بكاء يدوي من الغرفة..

    هالنا وأفزعنا ما رأينا زوجته تبكي على صدره وأبنها يمسك بكفه وهو يبكي فالتف كل منا حول سريره.. وقال الحاج توفيق: ما خطبكم؟؟ موجهاً خطابه لزوجته وأولاده..

    أجاب أبنه بكلمات متقطعة من أثر البكاء: أنه.. أنه يفيق يا عمي.. نحن سعيدون من أجل ذلك.. فقط نبكي لأنه أفاق.. نبكي لفرط سعادتنا..

    تنهد الحاج محمد وابتسم قائلاً: الحمد لله لقد أقلقنا كثيراً حديث الطبيب حول حالته.. على كل حال هل نستطيع أن نحدثه..؟؟!!

    أجابت زوجته بعد أن كفت عن البكاء وهي تمسح دموعها: بالطبع.. تفضلوا إلى أن أحضر لكم بعض الشاي.. وذهبت تاركة لنا الغرفة مع زوجها وأبنه فاقترب توفيق منه ومد كفه ولمس وجهه وقال: كيف حالك يا حاج احمد: أيها العجوز.. لقد افتقدناك كثيراً.. الحمد لله على سلامتك وكان الحاج أحمد يحاول أن يتفوه ببعض الكلمات لولا أن وضع الحاج تفويق أصابعه على فمه برفق قائلاً: لا داعي للحديث الآن سنتحدث حول مائدتنا.. أجل سنعود إليها.. لا تتعجل يا رجل.

    وبينما الجميع سعيدون بما حدث إذا ببعض الشهقات تصدر من الحاج أحمد ويداه تشيران إلى لاشيء.. ففزع الجميع وبدأ الصراخ والبكاء.. أصوات الكؤوس تتكسر وعويل يصدر من زوجته والحاج أحمد يحاول أن يتحدث وقد أغرورقت عيناه بالبكاء واحتقن وجهه.

    كان الضجيج يملأ المكان إلى أن قال الحاج علي: وهو يشير إليهم بالصمت.. أنه يريد إخبارنا بشيء ما.. دعونا نستمع إليه..

    وبصوت باك قال الحاج علي: تحدث.. تحدث يا أحمد ماذا تريد..؟؟!! الصمت يا جماعة وفي صمت مهيب وعيون باكية في هدوء.. ووجوه محمرة قالها الحاج أحمد.. قالها بصوت متقطع.. أنا.. أنا أموت.. فقاطعته زوجته باكية: لا لا ما هذا الذي تقوله.. يا الهي ساعد زوجي وراحت تهذي..

    وصرخ الحاج علي في ابن الحاج أحمد بغضب قائلاً: أخرج والدتك يا بني أخرجها ودعنا نعرف ماذا يريد الرجل..

    وعاود الحاج أحمد حديثه بصوت متهالك: أرجوكم.. أر.. أرجوكم لا .. لا.. لا تأكلوا لحمي.. لا تأكلوا.. وانقطع الصوت الهامس وصعق الجميع الحاج توفيق.. الحاج محمد.. الحاج سعيد.. الحاج علي.. كلهم كانوا يقفون كالأصنام التي لا تنطق..

    عاد كل شيء إلى سابق عهده.. الدائرة المستديرة.. الكراسي الأربعة.. تنقص واحداً.. والحزن الدفين.. والهدوء الذي خيم على تجمعاتنا..
    وفي أذن كل منا صوت يردد بكل أسى.. لا تأكلوا لحمي.. لا تأكلوا لحمي..
    مع تحياتي للجميع ،،

    الغيبة صفة سيئة واسأل الله أن يبعدنا عنها
    شكرا





    من بريدي

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 9:48 pm